مع استمرار الحرب.. قراءة مُتأنية في أوضاع الداخل السوداني – شريف المصري

القاهرة – نبض السودان

أصدر عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، بعض القرارات في الآونة الأخيرة والتي أثارت ضجة كبيرة في أوساط القوى السياسية والمدنية والحزبية السودانية.

وبحسب بعض الخبراء والمراقبين، فإن القرارات الأخيرة التي أصدرها البرهان بشأن إقالة بعض المسؤولين ما هي إلا إشارة للعشوائية باتخاذ القرارات، وعدم وجود استراتيجية واضحة لدى البرهان وقادة الجيش في إدارة البلاد، نظراً لما تحمله تلك القرارات من تناقضات وعدم الاهتمام بالصالح العام، والتصرف حسب ما تقتضيه مصالح دول إقليمية وخارجية.

أزمة شرقي السودان

خلال سنوات حكم المعزول عمر البشير، عاشت قبائل شرق السودان المعروفة 'بنظارات البجا' مهمشة سياسياً واقتصادياً ، ثم شاركت بقوة في الاحتجاجات الشعبية ضده، وساندت الحكومة الانتقالية ومجلس السيادة، ولكنها أيضاً لم تحصل على أي حق أو مطلب من مطالبها، مما زاد من الخلافات بين البجا ومجلس السيادة بقيادة عبد الفتاح البرهان.

انقسم مؤتمر البجا إلى أكثر من 7 أحزاب، وهذا يشير بوضوح إلى الاختلاف الكبير بين مكوناته، حيث أصبحت الأحزاب المكونة للمؤتمر أما مدعومة من الحركة الإسلامية في السودان التي يمثلها حزب الميثاق الإسلامي، والمؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، وبعض قيادات الجيش، أو مدعومة من أحزاب أخرى تمثل التيار المدني، وبعض الدول الأخرى.

ويري مراقبون أن فشل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بتلبية مطالب البجا واحتواء الأزمة، إضافة للتهميش السياسي والاقتصادي المستمر لهم، وتقارب البرهان من الحركات الإسلامية في مؤتمر البجا دوناً عن غيرها، دفعها للتهديد بالانفصال كما حصل جنوبي السودان وهو ما يرفضه مجلس السيادة بقيادة البرهان.

قرارات خاطئة عمّقت الأزمة

وزاد الخلاف في الأيام القليلة الماضية، إصدار وزير شؤون مجلس الوزراء، المكلف عثمان حسين، قراراً بإعفاء، والي كسلا شرقي السودان بأمر من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.

وبحسب مصادر محلية سودانية، فإن إقالة والي كسلا جاءت نتيجة تصاعد خلافاته مع الناظر سيد محمد الأمين ترك رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، والذي يُعتبر من أبرز قيادات التيار الإسلامي في مؤتمر البجا، والذي رفض بقاء والي كسلا بمنصبه. وهذا يشير إلى استمرار دعم البرهان للإسلاميين.

في الوقت نفسه، أصدر البرهان، الأسبوع الفائت، قراراً يقضي بإقالة وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق، وتكليف نائبه حسين عوض وكيل وزارة الخارجية لأداء مهامه. وبحسب المصادر، ينتمي وزير الخارجية السوداني المُقال علي الصادق للتيار الإسلامي، بينما الوزير المكّلف حسين عوض لا ينتمي لأي حزب إسلامي وليس له ميول متطرفة أو حزبية بحسب وسائل اعلام ومصادر محلية سودانية.

ويطرح البعض تساؤلات مثل لماذا يستميل البرهان الإسلاميين في 'البجا' ويحاول التخفيف من نفوذهم في مراكز أخرى؟

وفق متابعون فإن الخطأ في سياسات البرهان يكمن في القرارات المتناقضة التي يتخذها، وسبب التناقض بطبيعة الحال هو رغبة البرهان بتحقيق مصالحه ومصالح القوى التي تدعمه وليس الصالح السوداني العام.

ويمكن فهم مغزى قرارات الإقالة التي اتخذها البرهان مؤخراً.

حيث أن إقالة وزير الخارجية علي الصادق يشير إلى رغبة البرهان بإيصال رسائل للداخل والخارج بأنه يحاول الحد من نفوذ الحركة الإسلامية المرفوضة دولياً وشعبياً.

بينما إقالة والي كسلا لها أهدف أخرى، حيث تندرج ضمن سياق محاولة البرهان لاستمالة الإسلاميين في مؤتمر 'البجا' حتى يدعموه في تنفيذ بعض المخططات.

وأخطرها هو ما تم تسريب معلومات حوله سابقاً، حول اتفاق مسبق بين البرهان ودول إقليمية وأجنبية ينص على اعتقال بعض قيادات 'البجا'، واستمالة آخرين (الإسلاميين)، من أجل الحصول على الدعم العسكري، مقابل السماح ببناء قواعد عسكرية مصرية في السودان والاعتراف رسمياً بضم مثلث حلايب وشلاتين إلى الأراضي المصرية، وهو ما ترفضه قبائل البجا شرق البلاد بشكل قاطع.

إلى جانب ذلك، ذكرت مصادر محلية سودانية بأن البرهان ونظرًا للمعارضة المتوقعة من قبل بعض نظارات البجا فإنه سيقوم بإعتقال قيادات قبلية بارزة خلال الأيام المقبلة.

وبالتالي فإن قرارات البرهان تتناغم مع مصالح خارجية ولا تعبر أبداً عن مصالح الشعب السوداني وهو ما يُعتبر مؤشر سيئ لمستقبل السودان.